سورة البقرة - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27)}.
التفسير:
الكائنات كلها- صغيرها وكبيرها- صنعة اللّه، خلقها بحكمته، وأبدعها بقدرته.. فهى في معرض ملكه سواء في الإعلان عن تلك الحكمة وهذه القدرة، ففى كل ذرة من ذرات هذا الكون العظيم آية تحدّث عن جلال اللّه وعظمته! فللّه- سبحانه- أن يضرب المثل بأيّ من مخلوقاته، وأن يقيم منه شاهدا لما يريد.. فأما الذين آمنوا، فيجدون في هذا المثل هدى إلى هدى، ونورا إلى نور، وأما الذين كفروا فلا تزيدهم الأمثال الكاشفة إلا ضلالا إلى ضلال، وإلا عمى إلى عمى.
وفى قوله تعالى: {وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ} نظرتان:
النظرة الأولى: إلى العدول عن الكافرين، والتعبير عنهم بالفاسقين، إذ سياق الكلام يقضى بأن يكون الإضلال للكافرين الذين وقفوا من المثل هذا الموقف اللئيم، فقالوا في استهزاء واستنكار: {ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟} فكان المتوقع أن يكون الجواب هكذا: {يضلّ به كثيرا، ويهدى به كثيرا وما يضلّ به إلّا الكافرين}.
ولكن لكلام اللّه حساب غير هذا الحساب، وتقدير فوق هذا التقدير، فجاءت فاصلة الآية هكذا: {وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ}.
والفسق معناه في اللغة: الخروج، يقال: فسق، وفسق أي خرج عن طريق الهدى والصلاح، وانفسق الرّطب عن قشره: أي خرج.
والكافر فاسق، لأنه خرج عن طريق الهدى والإيمان، وركب طريق الضّلال والكفر، خرج عن فطرته التي فطره اللّه عليها، ونقض الميثاق الذي واثقه اللّه عليه، في قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا} [172 الأعراف] والنظر الثانية: إلى قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً.. الآية} فهى جواب عن سؤال أولئك الذين في قلوبهم مرض، الذين استخفّوا بالأمثال التي يضربها اللّه، ويتخذ مادتها من مخلوقات ضئيلة من خلقه.. فيقولون في عجب واستنكار: ماذا أراد اللّه بهذا مثلا؟ فكان جواب الحق جلّ وعلا: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ}! والنظرة هنا إلى نسبة الإضلال إلى اللّه سبحانه وتعالى، بضرب مثل هذا المثل.. فكيف يفتح اللّه لعباده بابا إلى الضلال، ويسوقهم إليه.
ثم يحاسبهم عن هذا الضلال، ويأخذهم بالعذاب الأليم؟.
والجواب على هذا، قد كثر حوله الخلاف، وتعددت فيه المذاهب.
هل الإنسان حرّ مختار فيما يأتى من خير وشر، فيكون حسابه جزاءا وفاقا لما عمل بحريته واختياره، أم هو مجبر مضطر، مسوق إلى قدره المقدور، فيكون عمله غير محسوب عليه، ويكون حسابه على ما عمل، ظلم له، وعدوان عليه؟ أم أن الإنسان مزيج من الجبر والاختيار، له إرادة، وله قدرة على فعل ما يريد، ولكنّ إرادته وقدرته مرتبطتان بإرادة فوق إرادته وبقدرة فوق قدرته؟ فهو يريد، ولكن وفق ما تريد تلك الإرادة العليا، ويفعل، ولكن داخل فعل تلك القدرة المهيمنة على قدرته.. فالإنسان في هذا التصور أشبه بترس في آلة مكانيكية يتحرك بحركة تلك الآلة، ويسكن بسكونها.
فهو متحرك، وغير متحرك معا!.
والرأى- عندنا- أن الإنسان صنعة اللّه، وللّه سبحانه أن يضعه حيث يشاء، ليأخذ مكانه واتجاهه في هذا الوجود. ومع هذا فإن الإنسان- بما أودع اللّه فيه من عقل- مطالب بأن يستعمل هذا العقل وما فيه من قوى، في وزن الأمور وتقديرها.. فيتقدم أو يتأخر، ويقدم أو يحجم ويؤمن أو يكفر، ويهتدى أو يضل.. وهو في كل هذا سائر في الطريق المرسوم له، والذي هو مستور في الغيب عنه، إلى أن يستوى عليه، وذلك هو قدره المقدور، يرى وكأنه من صنعة يده، وهو في الحقيقة صنعة يد فوق يده.. يد القدرة القادرة الباهرة: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} [31: الرعد] {كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [31: المدثر].. {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [2: التغابن].


{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)}.
التفسير:
وهذه مواجهة فاضحة مخزية، لأولئك الذين لجّ بهم العناد والضلال، فاستحبّوا العمى على الهدى، وجعلوا للّه أندادا، يعبدونهم من دونه.. وهذا أمر لا يقيم عليه إلا سفيه، ولا يرضى به إلا سقيم القلب، أعمى البصر والبصيرة.
فاللّه وحده هو الذي خلق الإنسان من الموات، ثم سوّاه بشرا سويا، ثم يردّه إلى الموات، ثم يعيده مرة أخرى إلى الحياة.. للحساب والجزاء.
فكيف يكون لإنسان أن يتنكر لخالقه، ويعدل وجهه عنه إلى عبادة المخلوقين.. من جماد وغير جماد؟ ذلك ضلال بعيد، وخسران مبين!


{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}.
التفسير:
ومن ألطاف الخالق العظيم ورحمته بالناس، أن أقام الإنسان على هذه الأرض، ومكّن له من أسباب الحياة فيها، والسيادة، عليها فجعل يده مبسوطة على كل شيء شىء فيها، بما وهبه اللّه من قوة عاقلة، انفرد بها من بين ما على الأرض من مخلوقات.. وذلك من شأنه ألّا يجعل سبيلا لعاقل أن يعطى ولاءه لغير اللّه رب العالمين.
وقد يفهم من قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ} بعد قوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} قد يفهم من هذا أن خلق السموات، جاء تاليا لخلق الأرض.
ولكن، مع قليل من النظر، يتضح أن ذلك كان بعد خلق السموات والأرض.. فالأرض كانت مخلوقة، ثم خلق اللّه بعد ذلك، ما فيها من مخلوقات.. وكذلك السماء، كانت قائمة، فجعلها اللّه سبحانه سبع سموات. وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة، في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ} [11: فصلت].
وهذا لا يصادم ما يقول به العلم الحديث، من أن الأرض وليدة انفجار في الشمس، تسبب عنه انفصال أجرام منها، وكانت الأرض واحدة من تلك الأجرام! فعوالم السماء مخلوقة قبل الأرض، والأرض مولود من مواليدها! وأمر آخر نحب أن نشير إليه هنا، وهو أن ما جاء في القرآن الكريم عن خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، لا مدخل له في تكييف قدرة اللّه سبحانه وتعالى، وأن ذلك الخلق قد احتاج إلى عمل هذه القدرة ستة أيام، فذلك تحديد لقدرة اللّه، التي لا يحدّها شىء، ولا يعلق بها قيد من قيود الزمان والمكان {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [82: يس].
وأما الأيام الستة التي ذكرها القرآن الكريم في أكثر من موضع زمنا لخلق السموات والأرض، فهى الوعاء الزمنى الذي استكملت فيه السموات والأرض تمام خلقهما، شأنهما في ذلك شأن كل مخلوق.. من حيوان أو نبات أو جماد.. الإنسان {حَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} وبعض الحيوانات يتخلق في ساعة أو ما دون الساعة، وبعضها يتخلق في عام أو أكثر من عام، والحبة تكون نبتة في كذا، وشجرة في كذا من الزمن، وهكذا.
فقوله تعالى: {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} يشير إلى أن الوعاء الزمنى الذي تم فيه خلق السموات والأرض هو ستة أيام، فقد تخلّفا في هذه الأيام الستة كما تتخلق الكائنات، وتستكمل وجودها، في زمن مقدور لها، تعيش فيه، متنقلة من طور إلى طور، ومن حال إلى حال، حتى تأخذ الوضع الذي تبلغ به تمامها.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9